اِ
سْـتـمـتِـعْ بـِحـَيـاتـِك
مهارات وفنون التعامل مع الناس في ظل السيرة النبوية
حصيلة بحوث ودورات وذكريات أكثر من عشرين سنة
لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ
بقلم / د.محمد بن عبد الرّحمن العريفي
أستاذ جامعي ، خطيب جامع البواردي بالرياض
محاضر معتمد لدورات السعادة وفن التعامل مع الناس
مقدمة
لما كنت في السادسة عشرة من عمري وقع في يدي- كتاب " فن التعامل مع الناس " لمؤلفه " دايل كارنيجي " كان كتاباً رائعاً قرأته عدة مرات ..
كان كاتبه اقترح أن يعيد الشخص قراءته كل شهر .. ففعلت ذلك .. جعلت أطبق قواعده عند تعاملي مع الناس فرأيت لذلك نتائج عجيبة ..
كان كارنيجي يسوق القاعدة ويذكر تحتها أمثلة ووقائع لرجال تميزوا من قومه .. روزفلت .. لنكولن .. جوزف .. مايك .. فبحثت في تاريخنا فرأيت أن في سيرة رسول الله e وأصحابه ومواقف المتميزين من رجال أمتنا ما يغنينا .. فبدأت من ذلك الحين أؤلف هذا الكتاب في فن التعامل مع الناس ..
فهذا الكتاب الذي بين يديك ليس وليد شهر أو سنة ..
بل هو نتيجة دراسات قمت بها لمدة عشرين عاماً ..
ومع أن الله تعالى قد منَّ عليَّ بتأليف قرابة العشرين عنواناً إلى الآن .. إلا أني أجد أن أحب كتبي إليَّ وأغلاها إلى قلبي .. وأكثرها فائدة عملية - فيما أظن – هو هذا الكتاب ..
كتبت كلماته بمداد خلطته بدمي .. سكبت روحي بين أسطره .. عصرت ذكرياتي فيه ..
جعلتها كلمات من القلب إلى القلب ..
وأقسم أنها خرجت من قلبي مشتاقة أن يكون مستقرها قلبك .. فرحماك بها ..
ما أعظم سروري لو علمت أن قارئاً أو قارئة لهذه الورقات طبق ما فيه .. فشعر وشعر غيره بتطور مهاراته .. وازدادت متعته في حياته ..
فسطر بيمينه الطاهرة – مشكوراً - رسالة عبر فيها عن رأيه .. وصوّر مشاعره بصدق وصراحة .. ثم أرسلها عبر بريد أو رسالة جوال sms إلى كاتب هذه السطور .. لأكون للطفه شاكراً .. وبظهر الغيب له داعياً ..
أسأل الله أن ينفع بهذه الورقات .. وأن يجعلها خالصة لوجهه الكريم ..
كتبه الداعي لك بالخير/
د.محمد بن عبد الرحمن العريفي
بداية ..
ليست الغاية أن تقرأ كتاباً .. بل الغاية أن تستفيد منه ..
1. هؤلاء لن يستفيدوا ..
أذكر أن رسالة جاءتني على هاتفي المحمول .. نصها : فضيلة الشيخ .. ما حكم الانتحار ؟
فاتصلت بالسائل فأجاب شاب في عمر الزهور .. قلت له : عفواً لم أفهم سؤالك .. أعد السؤال !
فأجاب بكل تضجر : السؤال واضح .. ما حكم الانتحار ..
فأردت أن أفاجئه بجواب لا يتوقعه فضحكت وقلت : مستحب ..
صرخ : ماذا ؟!
قلت : أقول لك : حكم الانتحار أنه مستحب ..
لكن ما رأيك أن نتعاون في تحديد الطريقة التي تنتحر بها .. ؟
سكت الشاب ..
فقلت : طيب .. لماذا تريد أن تنتحر ؟
قال : لأني ما وجدت وظيفة .. والناس ما يحبونني .. وأصلاً أنا إنسان فاشل .. و ..
وانطلق يروي لي قصة مطولة تحكي فشله في تطوير ذاته .. وعدم استعداده للاستفادة بما هو متاح بين يديه من قدرات ..
وهذه آفة عند الكثيرين ..
لماذا ينظر أحدنا إلى نفسه نظرة دونية ؟
لماذا يلحظ ببصره إلى الواقفين على قمة الجبل ويرى نفسه أقل من أن يصل إلى القمة كما وصلوا .. أو على الأقل أن يصعد الجبل كما صعدوا ..
ومن يتهيب صعود الجبال *** يعش أبد الدهر بين الحفر
تدري من الذي لن يستفيد من هذا الكتاب ، ولا من أي كتاب آخر من كتب المهارات ؟!
إنه الشخص المسكين الذي استسلم لأخطائه وقنع بقدراته ، وقال : هذا طبعي الذي نشأت عليه .. وتعودت عليه ، ولا يمكن أن أغير طريقتي .. والناس تعودوا علي بهذا الطبع ..
أما أن أكون مثل خالد في طريقة إلقائه .. أو أحمد في بشاشته .. أو زياد في محبة الناس له ..
فهذا محال ..
جلست يوماً مع شيخ كبير بلغ من الكبر عتياً .. في مجلس عام ، كل من فيه عوام متواضعو القدرات ..
وكان الشيخ يتجاذب أحاديث عامة مع من بجانبه ..
لم يكن يمثل بالنسبة لمن في المجلس إلا واحداً منهم له حق الاحترام لكبر سنه .. فقط ..
ألقيت كلمة يسيرة .. ذكرت خلالها فتوى للشيخ العلامة عبد العزيز بن باز ..
فلما انتهيت .. قال لي الشيخ مفتخراً : أنا والشيخ ابن باز كنا زملاء ندرس في المسجد عند الشيخ محمد بن إبراهيم .. قبل أربعين سنة ..
التفت أنظر إليه .. فإذا هو قد انبلجت أساريره لهذه المعلومة .. كان فرحاً جداً لأنه صاحب رجلاً ناجحاً يوماً من الدهر ..
بينما جعلت أردد في نفسي : ولماذا يا مسكين ما صرت ناجحاً مثل ابن باز ؟
ما دام أنك عرفت الطريق لماذا لم تواصل ..؟
لماذا يموت ابن باز فتبكي عليه المنابر .. والمحاريب .. والمكتبات .. وتئن أقوام لفقده ..
وأنت ستموت يوماً من الدهر .. ولعله لا يبكي عليك أحد .. إلا مجاملة .. أو عادة ..!!
كلنا قد نقول يوماً من الأيام .. عرفنا فلاناً .. وزاملنا فلاناً .. وجالسنا فلاناً !!
وليس هذا هو الفخر .. إنما الفخر أن تشمخ فوق القمة كما شمخ ..
فكن بطلاً واعزم من الآن أن تطبق ما تقتنع بنفعه من قدرات .. كن ناجحاً ..
اقلب عبوسك ابتسامة .. وكآبتك بشاشة .. وبخلك كرماً .. وغضبك حلماً ..
اجعل المصائب أفراحاً .. والإيمان سلاحاً ..
استمتع بحياتك..فالحياة قصيرة لا وقت فيها للغم..
أما كيف تفعل ذلك ..فهذا ما ألفت الكتاب لأجله
كن معي وسنصل إلى الغاية بإذن الله ..
بقي معنا ..
البطل الذي لديه العزيمة والإصرار على أن يطور مهاراته .. ويستفيد من قدراته ..
2. ماذا سنتعلم ؟
يشترك الناس غالباً في أسباب الحزن والفرح ..
فهم جميعاً يفرحون إذا كثرت أموالهم ..
ويفرحون إذا ترقوا في أعمالهم ..
ويفرحون إذا شفوا من أمراضهم ..
ويفرحون إذا ابتسمت الدنيا لهم .. فتحققت لهم مراداتهم ..
وفي الوقت نفسه .. هم جميعاً يحزنون إذا افتقروا .. ويحزنون إذا مرضوا .. ويحزنون إذا أُهينوا ..
فما دام ذلك كذلك .. فتعال نبحث عن طرق نديم فيها أفراحنا .. ونتغلب بها على أتراحنا ..
نعم .. سنة الحياة أن يتقلب المرء بين حُلوةٍ ومُرةٍ .. أنا معك في هذا ..
ولكن لماذا نعطي المصائب والأحزان في أحيان كثيرة أكبر من حجمها .. فنغتم أياماً .. مع إمكاننا أن نجعل غمنا ساعة .. ونحزن ساعات على ما لا يستحق الحزن .. لماذا ..؟!
أعلم أن الحزن والغم يهجمان على القلب ويدخلانه من غير استئذان .. ولكن كل باب هم يفتح فهناك ألف طريقة لإغلاقه .. هذا مما سنتعلمه ..
تعال إلى شيء آخر ..
كم نرى من الناس المحبوبين .. الذين يفرح الآخرون بلقائهم .. ويأنسون بمجالستهم .. أفلم تفكر أن تكون واحداً منهم ..؟
لماذا ترضى أن تبقى دائماً معجَـباً ( بفتح الجيم ) ولا تسعى لأن تكون معجِـباً ( بكسرها ) !!
هنا سنتعلم كيف تصبح كذلك ..
لماذا إذا تكلم ابن عمك في المجلس أنصت له الناس وملك أسماعهم .. وأعجبوا بأسلوب كلامه ..
وإذا تكلمت أنت انصرفوا عنك .. وتنازعتهم الأحاديث الجانبية ؟!
لماذا ؟
مع أن معلوماتك قد تكون أكثر .. وشهادتك أعلى .. ومنصبك أرفع ..
لماذا إذن استطاع ملك أسماعهم وعجزت أنت ؟!!
لماذا ذاك الأب يحبه أولاده ويفرحون بمرافقته في كل ذهاب ومجيء .. وآخر لا يزال يلتمس من أولاده مرافقته وهم يعتذرون بصنوف الأعذار .. لماذا ؟! أليس كلاهما أب ؟!!
ولماذا .. ولماذا ..
سنتعلم هنا كيفية الاستمتاع بالحياة ..
أساليب جذب الناس .. والتأثير فيهم ..
تحمل أخطائهم ..
التعامل مع أصحاب الأخلاقيات المؤذية ..
إلى غير ذلك .. فمرحباً بك ..
كلمة ..
ليس النجاح أن تكتشف ما يحب الآخرون .. إنما النجاح أن تمارس مهارات تكسب بها محبتهم ..
3. لماذا نبحث عن المهارات؟
زرت إحدى المناطق الفقيرة لإلقاء محاضرة ..
جاءني بعدها أحد المدرسين القادمين من خارج المنطقة ..
قال لي : نود أن تساعدنا في كفالة بعض الطلاب ..
قلت : عجباً !! أليست المدارس حكومية .. مجانية ؟!
قال : بلى .. لكننا نكفلهم للدراسة الجامعية ..
قلت : كذلك الجامعة .. أليست حكومية .. بل تصرف للطلاب مكافآت ..
قال : سأشرح لك القصة ..
قلت : هاتِ ..
قال : يتخرج من الثانوية عندنا طلاب نسبتهم المئوية لا تقل عن 99% .. يملك من الذكاء والفهم قدراً لو وُزِّع على أمة لكفاهم ..
فإذا تخرج وعزم أن يسافر خارج قريته ليدرس في الطب أو الهندسة .. أو الشريعة .. أو الكمبيوتر .. أو غيرها .. منعه أبوه وقال : يكفي ما تعلمت .. فاجلس عندي لرعي الغنم ..
صرخت من غير شعور : رعي غنم !!
قال : نعم .. رعي غنم ..
وفعلاً يجلس المسكين عند أبيه يرعى الغنم .. وتموت هذه القدرات والمهارات .. وتمضي عليه السنين وهو راعي غنم ..
بل قد يتزوج .. ويرزق بأولاد .. ويمارس معهم أسلوب أبيه .. فيرعون الغنم !!
قلت : والحل؟!
قال : الحل أننا نقنع الأب باستخدام راعي غنم .. ببضع مئات من الريالات .. ندفعها نحن له .. وولده النابغة يستثمر مواهبه وقدراته .. ونتكفل بمصاريف الولد أيضاً حتى يتخرج ..
ثم خفض هذه المدرس رأسه .. وقال : حرام أن تموت المواهب والقدرات في صدور أصحابها .. وهم يتحسرون عليها ..
تفكرت في كلامه بعدها .. فرأيت أننا لا يمكن أن نصل إلى القمة إلا بممارسة مهارات .. أو اكتساب مهارات ..
نعم ..
أتحدى أن تجد أحداً من الناجحين .. سواء في علم .. أو دعوة .. أو خطابة .. أو تجارة .. أو طب .. أو هندسة .. أو كسب محبة الناس ..
أو الناجحين أسرياً .. كأب ناجح مع أولاده .. أو زوجة ناجحة مع زوجها ..
أو اجتماعياً .. كالناجح مع جيرانه وزملائه ..
أعني الناجحين .. ولا أعني الصاعدين على أكتاف الآخرين ..!!
أتحدى أن تجد أحداً من هؤلاء بلغ مرتبة في النجاح .. إلا وهو يمارس مهارات معينة – شعر أو لم يشعر - استطاع بها أن يصل إلى النجاح ..
قد يمارس بعض الناس مهارات ناجحة بطبيعته .. وقد يتعلم آخرون مهارات فيمارسونها .. فينجحون ..
نحن هنا نبحث عن هؤلاء الناجحين .. وندرس حياتهم .. ونراقب طريقتهم .. لنعرف كيف نجحوا ؟ وهل يمكن أن نسلك الطريق نفسه فننجح مثلهم ..؟
استمعت قبل فترة إلى مقابلة مع أحد أثرياء العالم الشيخ سليمان بن عبد الله الراجحي .. فوجدته جبلاً في خلقه وفكره ..
رجل يملك المليارات .. آلاف العقارات .. بنى مئات المساجد .. كفل آلاف الأيتام ..
رجل في قمة النجاح ..
تكلم عن بداياته قبل خمسين سنة .. كان من عامة الناس .. لا يكاد يملك إلا قوت يومه وربما لا يجده أحياناً !..
ذكر أنه ربما نظف بيوت بعض الناس ليكسب رزقه .. وربما واصل ليله بنهاره عاملاً في دكان أو مصرف ..
تكلم كيف كان في سفح الجبل .. ثم لا زال يصعد حتى وصل القمة ..
جعلت أتأمل مهاراته وقدراته .. فوجدت أن كثيراً منا يمكن أن يكون مثله بتوفيق الله .. لو تعلم مهارات وتدرب عليها .. وثابر وثبت ..
نعم ..
أمر آخر يدعونا إلى البحث عن المهارات ..
هو أن بعضنا يكون عنده قدرات على الإبداع لكنه غافل عنها .. أو لم يساعده أحد على إذكائها ..
كقدرة على الإلقاء .. أو فكر تجاري .. أو ذكاء معرفي ..
قد يكتشف هذه القدرات بنفسه .. أو يذكي هذه المهارات مدرس .. أو مسئول وظيفي .. أو أخ ناصح ..
وما أقلّهم ..
وقد تبقى هذه المهارات حبيسة النفس حتى يغلبها الطبع السائر بين الناس .. وتموت في مهدها ..
ونفقد عندها قائداً أو خطيباً أو عالماً .. أو ربما زوجاً ناجحاً أو أباً ناصحاً ..
نحن هنا سنذكر مهارات متميزة نذكرك بها إن كانت عندك .. وندربك عليها إن كنت فاقداً لها ..
فهلمّ ..
فكرة ..
إذا صعدت الجبل فانظر إلى القمة .. ولا تلتفت للصخور المتناثرة حولك ..
اصعد بخطوات واثقة .. ولا تقفز فتزل قدمك ..
4. طور نفسك ..
تجلس مع بعض الناس وعمره عشرون سنة .. فترى له أسلوباً ومنطقاً وفكراً معيناً ..
ثم تجلس معه وعمره ثلاثون .. فإذا قدراته هي هيَ .. لم يتطور فيه شيء ..
بينما تجلس مع آخرين فتجدهم يستفيدون من حياتهم .. تجده كل يوم متطوراً عن اليوم الذي قبله .. بل ما تمر ساعة إلا ارتفع بها ديناً أو دنيا ..
إذا أردت أن تعرف أنواع الناس في ذلك .. فتعال نتأمل في أحوالهم واهتماماتهم ..
القنوات الفضائية مثلاً ..
من الناس من يتابع ما ينمي فكره المعرفي .. ويطور ذكاءه .. ويستفيد من خبرات الآخرين من خلال متابعة الحوارات الهادفة .. يكتسب منها مهارات رائعة في النقاش .. واللغة .. والفهم .. وسرعة البديهة .. والقدرة على المناظرة .. وأساليب الإقناع ..
ومن الناس من لا يكاد يفوته مسلسل يحكي قصة حب فاشلة .. أو مسرحية عاطفية .. أو فيلم خيالي مرعب .. أو أفلام لقصص افتراضية تافهة .. لا حقيقة لها ..
تعال بالله عليك .. وانظر إلى حال الأول وحال الثاني بعد خمس سنوات .. أو عشر ..
أيهما سيكون أكثر تطوراً في مهاراته ؟ في القدرة على الاستيعاب ؟ في سعة الثقافة ؟ في القدرة على الإقناع ؟ في أسلوب التعامل مع الأحداث ؟
لا شك أنه الأول ..
بل تجد أسلوب الأول مختلفاً .. فاستشهاداته بنصوص شرعية .. أو أرقام وحقائق ..
أما الثاني فاسشهاداته بأقوال الممثلين .. والمغنين ..
حتى قال أحدهم يوماً في معرض كلامه .. والله يقول : اِسْعَ يا عبدي وأنا أسعى معاك !!